الأحد، 21 ديسمبر 2014

العلاقات العامة والصورة الذهنية

العلاقات العامة والصورة الذهنية :
يرى بول جاريت Paul Garrett أحد رواد العلاقات العامة , والذي يتولى مسؤليتها في شركة جنيرال موتوز الأمريكية عام 1931 م أن (العلاقات العامة ليست وسيلة دفاعية لجعل المؤسسة تبدو في صورة مخالفة لصورتها الحقيقية , وإنما هي الجهود المستمرة من جانب الإدارة لكسب ثقة الجمهور من خلال الأعمال التي تحظى باحترامه ) .
وقد أكد هذا التعريف على اهمية الجهود التي تبذل من أجل تكوين صورة طيبة في أذهان الجماهير تعبر عن الواقع الفعلي المشرق للمؤسسة بلا خداع أو تزييف . ومن ثم فإن مفهوم الصورة التي تسعى العلاقات العامة إلى بلورتها في أذهان الجماهير يستند إلى الحقيقة ويلتزم بالصدق والصراحاة والوضوح وهي مبادئ أساسية أجمعت عليها دساتير العلاقات العامة في مختلف المجتمعات .
ورغم عدم وضوح عملية الاتصال – التي هي جوهر العلاقات العامة – في هذا التعريف إلا أن أهم ما يميزه عن غيره من التعريفات التي قدمت للعلاقات العامة تأكيده على حقيقتين أساسيتين هما :
أن العلاقات العامة ينبغي أن تكون تعبيرا صادقا عن الواقع , كما أنها لابد أن تسمو بأعمالها إلى الدرجة التي تحظى باحترام الجمهور .
فإذا كان الواقع سيئا أو تشوبه بعض الشوائب . فينبغي تنقية هذا الواقع وتدارك ما به من أخطاء بدلا من محاولة إخفائها أو تزييفها بكلمات معسولة سرعان ما يزول أثرها وينكشف زيفها . كما ينبغي أن تسهم العلاقات العامة في مواجهة المشكلات التي تؤثر على الجمهور من خلال الأعمال البناءة والجهود الحقيقية الهادفة التي تحقق الرخاء والرفاهية للمجتمع .
وقد كان هذا المبدأ أحد المبادئ الأساسية التي أرساها ( أبوالعلاقات العامة الحديثة ) أيفي لي حينما أخذ على عاتقه تغيير الصورة السيئة التي تكونت عن رجل الأعمال الأمريكي روكفلر , الذي كان هو وابنه أكثر أغنياء أمريكا تعرضا للنقد واتهاما بالجشع . فقد كان روكفلر سخياً في تبرعاته للجمعيات الخيرية وللكنائس ولأطفال المدارس .ولكنه كان جافاً في تعامله مع الصحفيين ولا يبالي بحملات النقد التي توجه إليه . فكانت تصيحة أيفى لي الأساسية أن يتخلى هذا الرجل عن غلظته وأن يحسن معاملة الصحفيين ويتودد إليهم . كما أوضح الجانب الإنساني الذي لم يكن غريباً على روكفلر ولكنه لم يكن معلناً للجمهور .
وهذا هو المبدأ الثاني الذي أرساه أيفى لي وهو انه لايكفي أن تفعل الخير وإنما لابد أن يعلم الناس ما تفعله من خير . كما أن الصورة الإنسانية لأي فرد لا تتحقق إلا من خلال مشاركته الاجتماعية مع من حوله . ونجح أيفى لي في أن يغير صورة روكفلر بهذه الطريقة ,فكان أول ما فعله هو الاتفاق مع أحد الصحفيين على أن يلاعب روكفلر الجولف . ولم يمض وقت طويل حتى بدأت صورة الرجل تظهر في الصحف وهويلعب الغولف بتواضع ومرح ويتردد على الكنائس ويمنح الهبات للمحتاجين , ويداعب الاطفال .
ولم يكن إيفي لي بهذه الطريقة يتجاوز حقيقة روكفلر , أو يضفي عليه ما ليس من خصاله , وإنما ينقل الصورة الحقيقية له إلى الجمهور , بدلا من الصورة الزائفة التي لم تكن تعبر عن واقع الرجل وسلوكه .وهذا ما التزم به أيفي لي طوال حياته, نقل الصورة الحقيقة الصادقة لأي فرد أو أي منظمة إلى الجمهور.وشتان بين هذا المبدأ وبين ما يسعى إليه بعض الدخلاء على مهنة العلاقات العامة من محاولات لخلق صورة مشرقة لفرد معين أو منشأة ما بغض النظر عن واقع ذلك الفرد أو تلك المنظمة , وهوما يتنافى مع قيم العلاقات العامة وأخلاقياتها . وقد أعلنها فولتير Voltaire صريحة مدوية حين قال: "إن الطريقة الوحيدة التي تجعل بها الناس يتحدثون عنك بطريقة حسنة هي أن تتصرف بطريقة طبيعية " ورغم أن تعبير صورة المؤسسة قد لاقى رواجا كبيرا واستخدمه عدد كبير من رواد العلاقات العامة في مناقشاتهم وممارساتهم المهنية ,إلا أن دلالة هذا المصطلح قد تعرضت للتشويه الذي تعرضت له مهنة العلاقات العامة نفسها .وقد فسر إدوارد بيرنيز Bernays وهواحد الاسماء اللامعة التي أسهمت في تقنين العلاقات العامة هذا التشويه الذي أصاب مصطلح صورة المؤسسة بسبب كثرة استخدام هذا التعبير . ويقول : "إن استخدام هذه الكلمة يجعل القارئ أو المستمع يعتقد أن العلاقات العامة تعتمد على الخداع والأوهام . وتقلل هذه الكلمة من قيمة العلاقات العامة التي تعتمد على الحقائق المؤكدة في مجالات السلوك والاتجاهات والأفعال , والتي تتطلب قدرة على تقويم الرأي العام وتوجيه النصح للعملاء أو العاملين حول كيفية كسب تأييد المجتمع لأهداف المنشأة وأعلام الجمهور واستمالته " .
ومن الثابت أن الأنحارافات التي تحدث في ممارسة أي مهنة تسيء إلى صورة هذه المهنة وتلحق الضرر بسمعة المشتغلين بها . ورغم ذلك فلم يحكم على أي مهنة بالإعدام لمجرد انحراف عدد من المشتغلين بها أو انضمام بعض الغرباء والدخلاء إليها . وإذا كانت إحدى المجلات الصادرة في الولايات المتحدة business week قد نشرت تحقيقا ذكرت فيه أن شركات الاعمال في حاجة إلى تغييرات أساسية في سياستها أكثر من حاجتها إلى ألاعيب العلاقات العامة , وإن ذلك لا يعني نهاية الأمر في إنقاذ هذه المهنة التي أصبحت ضرورة هذا العصر .


غفران امير-تقينة علاقات عامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق